لمكبّر الصوت حكايات

 لمكبّر الصوت حكايات

د. حسن مدن

د. حسن مدن

مثل أشياء أخرى عديدة أدخلتها التكنولوجيا ولم يعد بوسعنا الاستغناء عنها، يأتي «الميكرفون» الذي عرّب إلى «مكبر الصوت». وهذه التسمية العربية، شأنها شأن تسميات أخرى معربة، قد نستخدمها في الكتابة فقط، ولكننا في الحديث اليومي نعود إلى اسمها الأجنبي، سواء نطقناه كما هو أو مُحوراً.

قبل سنوات طويلة كتبتُ مقالاً هنا عنوانه: «الميكرفون بيد من؟»، بحثتُ عنه فلم أعثر عليه، لكن ما أذكره أني تناولت فيه، يومها، خطورة أن يصبح الميكرفون في الأيادي الخطأ، ويدور حول الأقوال أو الدعوات المنطوية على مضامين مسيئة أو مسببة للفتنة والغلو، والتي يبدأ أصحابها في بثها همساً أو سراً، لكنها تصبح أشدّ خطورة، بما لا يقاس، حيث يبلغ أصحابها درجة من التمكين تجعلهم يبثونها بالأصوات العالية، عبر «الميكرفونات» أو «مكبرات الصوت» إن شئتم.

وجدت نفسي منجذباً للبحث في تاريخ الميكرفون، كأداة وليس كناقل للخطاب على أنواعه، دينياً كان أو ثقافياً أو فنياً أو إذاعياً، وبحسب التعريف فإن مكبر الصوت عبارة عن محوّل صوتي يقوم بتحويل إشارة صوتية كهربائية إلى صوت مُناظر، وقرأت أن رجلاً اسمه ألكسندر جراهام بيل هو أول من اخترع مكبراً للصوت في 1876، لأنه احتاج جهازاً لتكبير الصوت في الهاتف، وفي 1878 قام الألماني إرنست فرنر فُن زِيمنس باختراع نوع محسن من هذا الجهاز.

ثمة معلومة إضافية تقول إنه في عام 1912 أصبحت مكبرات الصوت عملية بالفعل، وبحلول العشرينات من القرن العشرين، تمّ استخدامها في أجهزة الراديو، والفونوجراف، وأنظمة العناوين العامة، وأنظمة الصوت المسرحية للحصول على صور الحركة.

الحق أن هناك معلومات وتواريخ كثيرة عن هذا الاكتشاف، وإذا كان الوفاء يقتضي رفع القبعات لمخترعيه، شأنهم في ذلك شأن كل من اخترعوا لنا الأجهزة المختلفة التي جعلت حياتنا أيسر، ووفرت علينا الكثير من الجهد، لكن على مكبر الصوت ينطبق ما ينطبق على مكتشفات أخرى، فالتكنولوجيا تمتلك قدرة هائلة من الحياد والتجرد، والعبرة هي في من يستخدمها وغاياته من هذا الاستخدام، فالميكرفون الذي يمكن أن ينقل إلينا الفن الراقي، هو نفسه الذي يمكن أن ينقل إلينا الهراء، والميكرفون الذي ينقل إلينا قيم التسامح والأخوة، هو نفسه الذي يمكن أن ينقل إلينا دعوات الفرقة والتطرف والكراهية.

مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، قال إن جلسة مجلس الأمن الدولي حول أوكرانيا التي عقدت قبل يومين تشكل مثالاً كلاسيكياً على «دبلوماسية مكبر الصوت». وجدتُ ذلك وصفاً بليغاً لا يتصل بالنزاع الدائر في أوكرانيا وحدها، وإنما بملفات دولية كثيرة، يحكمها هذا النوع من الدبلوماسية.

أخبار ذات صلة

MULIASLOT88 MULIASLOT88